2010/10/02

كيف اعتنق الأستاذ عبد الهادي كينيث الإسلام؟

عبد الهادي كينيث هونركامب 




الحمد لله أن منَّ علي الله تعالى بالإسلام، حيث كان عمري آنذاك تسعة عشرة سنة، وكنت طالبا في الجامعة، أبحث عن الحقيقة، وأتحدث هنا عن حقبة الستينات، حيث أزمة هوية الشباب الغربي، وأزمة مظاهرات 1968.

كنت أدرس في الجامعة، وخاصة الفلسفة والأديان الشرقية والهندية، قبل أن أقرر السفر إلى الهند بهدف لقاء ما يمكن أن أصفه بـ"مرشدي الروحي"، وتأمل الذات، الممثل الوجودي في الكون وأجد أيضا الأجوبة عن أسرار المظاهر الكونية.

اشتغلت في مكتب البريد لمدة سنة تقريبا، وتعلمون أنه آنذاك، كانت وسائل النقل غالية كثيرا، قبل أن أجد باخرة من نيويورك إلى يوغسلافيا بمبلغ تذكرة يصل إلى 100 دولار، ونحن في غضون سنة 1969، فسافرت إذن من نيويورك إلى يوغسلافيا، ثم مررت بتركيا وإيران وأفغانستان عن طريق البر، وفي أفغانستان على الخصوص، تأثرت كثيرا بواقع إسلامي آخر، كنت أتأمل شكل وهندسة المساجد وأتأمل مسار الحضارة الإسلامية، والتقيت بالعديد من "المسلمين العاديين"، وانبهرت بحسن المعاملة لديهم، كما تشوقت على الخصوص للنور الذي كنت ألتمسه في وجوههم.



لقد تاثرت كثيرا أثناء السفر في أفغانستان، وانا اشاهد كيف ان الحافلة كانت تقف بين الفينة والأخرى، قرب الساقية أو قرب بئر، ليخرج الناس حتى يتوضؤوا ويصلوا جماعة.

سافرت فيما بعد إلى باكستان وهنا وجدت ناساً يتحدثون بالإنجليزية، ومرة أخرى، تأثرت بسماحة الشعب الباكستاني المسلم، وبكرمهم أيضا، حيث تعرفت على خياط اسمه "محمد الكول"، تغمده الله تعالى برحمته، حيث دعاني إلى الأكل في محله الصغير الذي يوجد في وادي سوات، وفي إحدى الجلسات معه بعد صلاة العشاء أهداني سبحة، وطلب مني بأدب أن أقول: لا إله إلا الله، وأكدت له أنني لا أعرف معنى الجملة، فطلب مني أن أكتفي فقط بالذكر، على أن يصلي هو، ويدعو معي، وكانت في الواقع أولى خطواتي الإيمانية مع الدين الإسلامي، وتطلب أمر اعتناق الإسلام أن أدلي بشهادة لا إله إلا الله، بحضور صديق اسمه سيدي محمد، لأتعلم بعدها سورة الفاتحة والسور الصغرى، وبدأت أصلي في البيت، لأني خجلت من أن أذهب إلى المسجد لاعتقادي أن المصلين سيرددون مثلا أن "هذا أمريكي لا يحترم ديننا، وهؤلاء سياح، ماذا يريدون بأماكننا المقدسة"!.

دار نقاش في الموضوع بحضور أحد الأئمة، وتم استفساري بأدب من طرف الإمام وحضور بعض المصلين، وعندما علموا أنني اعتنقت الإسلام، سمحوا لي بالصلاة معهم في المسجد، وأهداني الإمام "طاقية بيضاء" كانت بديعة الصنعة في الواقع، ولو أنني رفضت أن أرتديها، بحجة أن الأمر، يحتاج إلى أن يكون صاحبها تقيا وورعا، وصاحب قلب طاهر وأفكار طاهرة، وأنا لست مؤهلا لذلك، وبالرغم من ذلك، ألحوا عليّ، وارتديتها، وذهبت لأول مرة للمسجد يوم جمعة، مع حضور غفير من المصلين.

شعرت بخجل شديد بمجرد أن دخلت المسجد لأول مرة، وخاصة أننا كنا يوم جمعة، لتأتي لحظات الآذان والخطبة، وتأتي على الخصوص لحظة ذرف الدموع التي لم أقدر على التحكم فيها، وكان إحساسا غريبا أشعر به لأول مرة في حياتي.

انتهت الصلاة، ولم تنته دموعي، وبدأ بعض المصلين يرحبون بي، بل إن بعضهم أهداني أكلا ونقودا، وهناك من تطوع لكي أتعلم معه حفظ سور كريمة من القرآن الكريم، بحكم تأكيدي لهم أنني قادم من الولايات المتحدة، أغنى دولة في العالم، ومع ذلك، كانوا يصرون على إبداء مواقف التعاضد والتعاون والمساعدة، حتى إن بعضهم كان دعاني لوجبة الفطور وآخر لوجبة الغذاء وهكذا.. كانت لحظات مؤثرة للغاية بالنسبة لي.

تعلمت الخياطة في باكستان، وأقمت بها طيلة خمس سنوات، وبعدها، بدأت بقراءة كتب الفقه، ثم التحقت بالمدارس القرآنية، وبقيت في باكستان عموما حوالي عشر سنوات، أسافر وأدرس مع العلماء في النحو والبلاغة والمنطق الحديث، إلى أن التقيت بالأستاذ العربي الهلالي، رحمه الله، وكان أستاذ بكلية أصول الدين بتطوان، حيث حطّ الرحال بالهند، وكان أستاذا في الباكناو، ليُكتب لي أن التقي به، وكان سببا وراء قدومي للمغرب، وأعطاني خمسمائة دولار لهذا الغرض، وقدمت للمغرب إذن في غضون سنة 1979 عن طريق البر، إلى أن وصلت إلى مدينة تطوان، ثم مدينة الرباط، والتقيت بالحاج الثعلبي وكان وقتها، مدير التعليم الأصيل في الرباط في وزارة التعليم، فأعطاني الإذن بأن أسجل في كلية اللغة العربية فأقمت في مراكش في الكلية

بعد حوالي عشرين سنة على اعتناقي الإسلام، وتخرجي من كلية اللغة العربية، والاشتغال في التدريس في الرباط، وتحديدا، في باب الوزارات، تزوجت بفرنسية مسلمة، لأضع فيما بعد طلبا للتوظيف بكلية اللغة، وهذا ما تم لي ولله الحمد، بمراكش، طيلة خمسة سنوات، لأشد الرحال بعدها نحو الولايات المتحدة وحصلت على الماجستير في الدراسات الإسلامية، ثم تابعت دراستي وحصلت على الدكتوراه، وبحكم الإكراه المادي للوالدين، اضطررت للعمل في بلدي الأصلي، وتطورت الأمور فيما بعد إلى سفر أختي إلى المغرب لتعتنق هي الأخرى الإسلام، قبل عودتها إلى جامعة جورجيا لتتم دراستها.


إن الغير ينظر إلى الإسلام بدون علم ويجهل مكونات الإسلام، مع أن دعوة الإسلام سلمية وروح الإسلام سمحة.
وفي هذا الإطار، يأتي خيار اشتغالي في التدريس والإسهام في التصدي للصور المغلوطة عن الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة، حيث أدرس حوالي 500 طالب كل سنة هناك، ولكن في المقابل، علينا أن ننتبه أيضا، إلى أن هناك العديد من المسلمين يجهلون الروح السمحة للإسلام، كما يتجاهلون مكونات التصوف وسؤال الجمال في التراث الإسلامي عموما، وهذا أشبه بشخص يحرم نفسه من شيء نفيس جدا.

ليست هناك تعليقات: