2010/10/02

من الأرثوذكسية إلى الإسلام

حوار مع القس الروسي السابق ميخائيل كيسلييف

القسيس الراهب السابق «ميخائيل كيسلييف» خطا خطوة بعيدة في بحثه عن الحقيقة. لقد كان يتمنى طوال سنوات وفي أماكن عديدة، عاش فيها وعمل، أن يعبد الله الواحد خالق الإنسان. لقد كان عسكريا وقسيسًا وراهبا وأستاذًا جامعيا. وبرحمة الله في عام 2006 ،كما يقول هو، أعلن اعتناقه الإسلام وسمى نفسه «ميكائيل».
س : ميكائيل ، لقد أصبحت قسيسا آخر ضمن من اعتنقوا الإسلام من القساوسة الروس الأرثوذكس. في هذا الصدد، يسعد قارئنا أن يتعرف في البداية على القليل من المعلومات الشخصية عنك.

ج : أنا في الأصل من مدينة« سيرجييف باساد»والتي كانت تعرف باسم«زاجورسك» ولدت في أسرة متدينة، من المترددين على الكنيسة منذ نعومة أظفارهم. في طفولتي كنت أعيش في منطقة تحيط بها الكنائس من كل اتجاه، وكثيرًا ما كنت أحضر القداسات . كان أب تعميدي رجلا صالحًا وكان قسيسًا فعلمني أبجديات الإيمان.

وقد خدمت ثلاثين عامًا في الجيش ثم قررت بعد ذلك أن ترتبط حياتي المستقبلية بالخدمة في الكنيسة الأرثوذكسية. خدمت لبعض الوقت كشماس، ثم كقسيس مقدِّس ثم رسميا كقسيس لمدة تسع سنوات.
وقد كانت سيبيريا وأوكرانيا هما مكان خدمتي، وقد أنهيت دراستي في قسم الدراسات الدينية في عام 2001، ولأسباب دينية بحتة استقلت من مجلس الأبرشية واعتنقت الإسلام في العام نفسه في مسجد محلي في مدينة«نيچيجاراداسكوي».
منذ طفولتي كنت أرى أنني لا يمكن أن أكون شيئا آخر بخلاف ذلك الإنسان الذي يعبد الله ويخدم الناس. وقد سعيت إلى تحقيق ذلك على الدوام. أما المحطات الرئيسية في سيرتي الشخصية فلم تفعل سوى أن عطلت هذا الحلم. حينما صرت قسيسا، حاولت أن أكون معوانا للناس، حاولت أن أكون راعي كنيسة صالحًا، أن أكون أنموذجًا يحتذى سواء 
 في حياتي الشخصية، أو في سلوكياتي



س : على حد علمي، لم يكن طريقك إلى وظيفة القسيس مفروشًا بالورود، أما عالم الرهبنة فهو كذلك طريقة عيش أثقل وطأة تتطلب منك التنازل عن كثير من الأشياء.
ج : صدقت، فالرهبنة، كمؤسسة أسستها المسيحية تعني أن الراهب ينبغي أن يكون مسيحيا مثاليا، وعابدا مثاليا، وخادمًا مثاليا للرب. دخولي إلى سلك الرهبنة جاء بمحض إرادتي، وبرغبة شخصية مني، لكنني صرت راهبا على نحو فكري.
فالرهبنة من الناحية النظرية هي طريق للكمال الدائم اللانهائي، وسبيل للعمل على ذلك. لكن حينما اصطدمت بالرهبانية الواقعية في نهاية القرن العشرين، أعني رهبانية عصر ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، شعرت بالصدمة، وخاصة حينما رأيت أن كل تصوراتي عن الرهبانية لا تتفق على الإطلاق مع المثالية.
فوق ذلك، أدركت أن العيش بدون عائلة وعيش هذا النوع من الحياة الزائفة المصطنعة ليس بذي نفع لروحي. ساءني أن أقوم بكل هذه الواجبات المصطنعة المبتدعة التي لم يفرضها علي الرب ولم يطلبها مني ولا تمنى مني أن أقوم بها.

س : ألم تخش أن يقال عنك إنك كنت راهبا ثم أردت أن تتزوج فاعتنقت الإسلام؟

ج : على الإطلاق. فالرهبنة كما ترى ليست على الإطلاق دواءً للفجور ولا للسلوك المنطلق من أي قيد، وإنما المسألة تتعلق بالإنسان نفسه، في ضبطه لنفسه، وفي ثقافته الشخصية. وأضف إلى ذلك أن شهورا عديدة قد مرت بالفعل منذ هذه اللحظة التي اعتنقت فيه الإسلام، ولم أتزوج حتى هذه اللحظة وليس لدي النية حتى هذه اللحظة.

س : إذن، رغم ذلك ما الذي كان له هذا الأثر على اختيارك، أنت كراهب قسيس كنت رجل دين ممارس للخدمة، فلماذا الإسلام تحديدًا، لماذا ليس البروتستانتية، على سبيل المثال؟

ج : الصدمة الكبيرة التي من جرائها التفت للإسلام كانت كتاب«لماذا أصبحت مسلمًا» لمؤلفه «علي فياتشيسلاف بالوسين». بعد ذلك قرأت كتابه «قهر الوثنية» والذي هو ترتيب منهجي لشكوكي وعدم قدرتي على الاقتناع طويلي الأمد.
حددت لنفسي هدفا وهو أن أفهم عقيدة الثالوث على المستوى الشخصي. قرأت كتبًا جيدة، تحدثت مع أناس أذكياء يؤمنون بهذه العقيدة. لكن بحثي هذا لم يساعدني على أن أفهم معتقد المسيحية في التثليث.
وحينما كان أحد أفراد رعويتي يسألونني:« يا أبت: ما هذا التثليث؟» لم يسعني أن أجيبهم بشئ سوى بعض الجمل المفهومة لدى الجميع: الآب إله، الابن إله، الروح القدس هو الحب الذي يربط بينهما. لكني لم أكن أؤمن بهذا، ولم أكن مستوعبا لهذا.

س : ألا تعتقد أن البعض قد يفهم كلماتك على النحو التالي:«حسنا، هذه مشكلته الشخصية، هو لا يفهم هذا والثالوث عموما لا يمكن فهمه بالعقل، وقد حاول أن يفعل هذا تماما

ج : ليس بالعقل فحسب، بل كنت أقرأ صلواتي، وأقوم بواجبات خدمتي، محاولا أن أستوعب التثليث، لكنني لم أجد أثرًا لذلك في روحي.

س : بعد أن صرت مسلما، كيف هي علاقتك بالمسيحيين، وبإخوانك القساوسة السابقين، هل تعتبرهم أناسًا ضالين أم لا؟ هل تغيرت علاقتك بهم أم ظلت على سابق عهدها؟

ج : لن أكون كاذبًا إذا قلت لك إنني أدعو الله لهم. أشعر في دخيلة نفسي بالحزن على هؤلاء لأن من بينهم كثيرين ممن يبحثون عن الحقيقة، وممن يشعرون بالحيرة وممن تصدمهم مثل هذه التساؤلات مثلي تماما. أنا وحدي لم يساورني الخوف، ورحلت بعيدًا، أما هم، فكثيرون منهم، تحت وطأة الظروف المادية والأسرية، ليس بمقدروهم أن ينخلعوا عن دائرة الرهبنة، ، وعلى الرغم من أنهم يشعرون أن هناك شيئا غير طبيعي، فليس لديهم العزم ولا الرغبة في الذهاب بعيدًا في رحلة التعرف على الحقيقة. لا يسعني سوى الدعاء لهم والتعاطف معهم وأن آمل أن يجدوا هم أيضًا سبيلهم إلى الحقيقة

ليست هناك تعليقات: