2011/03/18

أضواء على المسلمين في هولندا



إعداد: H. Radhi





المقدّمة:
يعتبر الإطّلاع على تاريخ المسلمين في هولندا ممتعاً ومهمّاً في الوقت نفسه. فهو ممتعٌ لأنَّ قراءة قصّة تواجد المسلمين في بلد مسيحي  كمن يقرأ مغامرة مثيرة لا يعرف مصير أبطالها أو ضحاياها . وهي مهمّةٌ لأنَّ منها يمكن الإستفادة من التجارب التي مرّت بها الجاليات الأُخرى لتجنّب الأخطاء والكبوات ولتتبّع أثار النجاحات والمضي على شاكلتها. وهذه القرآءة  ليست قرأءةً كاملة وللأسف لعدم توفّر مقالات (أو إنّي لم أُفلح بالحصول عليها) للسنين الخمسة الأخيره وهي بلاشك قد خلقت إنعطافاً في علاقة المسلمين بالغرب وكذلك فإنَّ بعض الجاليات لم نجد لها ذكرٌ في الكتب المؤلّفة حتّى أواسط التسعينات من القرن العشرين وأقصد بها تحديداً الجالية العراقيّة المسلمة لحداثتها على الساحة ولأنّها جاءت لسبب آخر مختلف عن الجاليات الأُخرى ولذلك سنذكر عنها فقط بعض العموميات دون ذكر التفاصيل لعدم وجودها في كتب وتقارير موثّقة.وعلى أيّ حال فإنّها لا تخلو من فائدةٍ في فهم المقابل في المعادلة وهم الشعب الهولندي أو الحكومة الهولنديّة أو سياسة المؤسّسات  والكنائس الهولنديّه.
البدايات:
لم أجد في الكتب المتوفّرة من يشير الى المسلمين في هولندا قبل الحرب العالميّة الثانية بل كلّها تتحّدث عن بداية هجرة المسلمين بعد الحرب العالميّة الثانية فهل كانت هولندا خالية من المسلمين تماماً أم إنَّ هنالك أعداداً منهم ولكنّها قليلة بحيث لا تذكر؟
وعلى أيّ حال فإنَّ أول مجموعةٍ مُسلمةٍ وصلت الى هولندا هي من إندونسيا بعد تحرّرها من الإستعمار الهولندي عام 1949م وهولاء كانوا جنوداً ضمن جيش الملوكان وكان المسلمين منهم ألف شخص وقد سكن هولاء مخيّمات ( كمبات) في شمال البلاد لإعتقادهم بأنَّ بقاءهم في هولندا هو لفترةٍ قصيرة وفي عام 1956م أسّسوا أوّل مسجدٍ لهم في مخيّماتهم.ولكنّهم إستقرّوا بعد ذلك قرب روتردام وعرفاناً من الحكومة الهولنديّه لخدماتهم في جيشها فقد موّلت بناء مسجدين لهم. أمّا الإندونسيين من غير الملوكان فإنّهم قدِموا الى هولندا خلال فترة الإستعمار ولكن لم يشكّلوا لهم جمعيّات على أسس دينيّة.
كانت الهجرةُ قليلة الى هولندا لأنَّ الحكومة الهولنديّة كانت تعتبر الكثافة السكانيّة فيها عالية لذلك لم ترحبّ بالمهاجرين إلاّ عندما إحتاجت الى العمّال فتوجّهت الى دول مثل يوغسلافيا وإيطاليا والمغرب وتركيا واليونان. فجرى الإتّفاق مع تركيا في عام 1964م لجلب عمّال وكذلك مع المغرب عام 1969م ،ومع تونس عام 1970م حتّى وصل عدد المهاجرين من العمّال الى 92000 أكثرهم من الأتراك،وإستمرّت الهجرة بدون إنقطاع (إلا في فترةٍ وجيزةٍ عام 1967م ) حتّى عام 1974م ثم إنقطعت. ولكن قوانين جمع شمل العوائل إستمرّت فكان عدد كبير يصل من المهاجرين فمثلاً تشير بعض الإحصائيّات  عام 1971 الى وجود حوالي 43000 مسلم من تركيا وشمال أفريقيا وكان عدد النساء فيهم أقل من 5000 إمرأءة.بينما بلغت نسبة الرجال الى النساء من المهاجرين المسلمين عام 1977م 4: 3 . وبلغ عدد الأتراك عام 1982م 148000،والمغاربة 93000. وقفزت تلك الأرقام عام 1989م الى 176000 و139200 على التوالي. وقد قدّرت الإحصاءات عام 1989م إنَّ هنالك حوالي 3000 هولندي تحوّلوا الى الإسلام أمّا المسلمين السورناميين فإنَّ العدد الأكبر منهم قد هاجر الى هولندا عام 1960م  حتّى وصل العدد الى 5500 عامل عام 1970م. وقد أدّى الحديث عن إحتمال تقليص الهجرة الى زيادة وصول السورناميين الى هولندا ولكن العدد الأكبر منهم هو بعد إستقلال سوروناما عن هولندا عام 1975م حيث وصل هولندا 36.000 منهم وذلك خشية سحب الجنسيّة الهولنديّة عنهم حال بقائهم في سورناما حيث إعتبر القانون السورنامي أي مواطن لا يسكن في هولندا تسقط عنهُ الجنسيّة الهولنديّة. وإستمرّت الهجرة تحت غطاء قانون جمع الشمل حتّى عام 1980م حيث بلغ تعداد المسلمين منهم عام 1980م 30.000 نسمة عندما حصل الركود الإقتصادي عام 1973-1974م دعت الحكومة الى الحد من تشغيل العمّال الأجانب لغرض إجبارهم على ترك البلاد وقد رفضت فكرة إعطائهم بدلاً ماليّاً مقابل تركهم البلاد ووضعت بيد ربّ العمل الصلاحيّات الواسعة لإبقاء العامل أو طرده،ولكن لم تنجح كلّ هذه الوسائل فقامت الحكومة عام 1981م الى محاولة دمجهم بالمجتمع الهولندي بعد أن أدركت إصرارهم على البقاء في هولندا. وفي عام 1986م سُمِحَ للإجانب بالإنتخاب للمجلس البلدي.
بدأ مجيء العراقيين وأغلبهم من المسلمين الى هولندا بصورة ملحوظةٍ عام 1988م بصفة لاجئين وإستمرَّ عددهم في إزدياد حتّى عام 1992م وبعد الإنتفاضة الشعبانيّة حيث وصلت أعدادٍ ملحوظةٍ  منهم وخصوصاً من مخيّم رفحا ولا زالت أعدادهم في تزايد على الرغم قلّة حماس العراقيين الى اللجوء الى هولندا وتفضيل دول أوربيّة عليها.ووفق الكتاب السنوي للأقليّات لعام 2001م  فإنَّ عدد العراقيين قد بلغ في أوائل عام 1999م حوالي 30.000 وُلِدَ منهم في هولندا 2.773 والأفغان 15.811 ولد منهم  في هولندا 1.210 والأيرانيين 21.790 منهم 2.768 ولدوا في هولندا وبلغ عدد التونسيين6.388 منهم 2.840 ولدوا في هولندا وهنالك الصوماليون والسودانيون والسوريون وغيرهم ومعظم هولاء هم من المسلمين.أمّا عن الإتراك فقد بلغ عددهم عام 2001م  320.000 بينما بلغ  عدد المغاربة 270.000. 



المسلمون والمدارس الهولنديّة:
لم يكن المهاجرين الأوائل مطّلعين على النظام التعليمي في هولندا لذلك فإنَّ إختيارهم المدارس لأبنائهم لم يتم على أسسسٍ صحيحةٍ فمثلاً قد يتبع المهاجر نصيحة موظّف في المجلس البلدي والذي يرسله الى المدرسة التي تمثّل توجّهاته الفكريّة أو يرسله الى أقرب مدرسةٍ من سكنه وقد إعتبر الأباء المدارس مقلقة وخطرة على عقائد أو سلوك أبنائهم وإنَّ المدارس الهولنديّة قد فشلت من وجهة نظرهم في تحقيق بعض الأمور المهمّة مثل مشكلة أداء الفروض اليوميّه والصيام وأنواع الطعام والشراب المقدّم في المدرسة وإختلاط الجنسين والدروس الجنسيّة والسباحة المختلطة  وملابس البنات ولم يكن المعلّمين الهولنديين مدركين دائماً لهذه المشاكل بينما يتعامل المهاجر مع المعلّمين وكأنّهم نسخة طبق الأصل منه في أفكاره وعقائده.
والمدارس في هولندا على شكلين: الأول: المدارس الحياديّه أو العلمانيّه : وهذه المدارس لا تضع في منهاجها الدين. والثاني: المدارس العقائديّة: وهي التي تبني منهاجها على أساس الدين ومنها البروتستانتيّه والكاثوليكيّة.وكل هذه المدارس تموّل من الحكومة. والبعض من المهاجرين كان يعتبر المدارس العلمانيّة خطر على عقائد أبنائهم بينما يرحبّون بالمدارس المسيحيّه لأنّها على الأقل تتحدّث عن وجود الله. و تبرز القضايا الإسلاميّة في مناهج التأريخ والجغرافية والأمور المشتركة في الثقافات. وفي عام 1985م أُدخل مقرّر جديد في المدارس العلمانيّة ،في كل من الروضة والإبتدائيّة، يسمّى العقائد الحالية وهو مدخل الى دراسة العقائد الحالية ومنها الإسلام والهندوسيّة والبوذيّة. وخصّصت له ساعتان ونصف في الدوام الرسمي وساعتان ونصف خارج الدوام الرسمي وبلغة الطلاّب الأُم وتعتمد مفردات المنهج على المدرّس أو الإمام وعلى هويّته فيما إذا كان تركيّاً أو مغربيّاً.أمّا المدارس العقائديّة فإنَّ الدراسة الدينيّة تقرّر من قبل إدارة المدرسة وبدعم من الكنيسة التابعة إليها. وتختلف هذه المدارس في تبنيها لكيفيّة التعامل مع الطلاّب المسلمين. فبعضها تحتّم على الطالب الراغب في الدراسة فيها أن يتبّع المنهج الديني فيها بينما أخريات ترحب بالطلاب من الديانات الأخرى وتذهب غيرها بعيداً فتسمح لإعطاء دروساً للمسلمين بالإتّفاق مع الإمام المحلي في المنطقة أو المسجد. وفي المدارس العلمانيّة هنالك قانون يحتّم على المدرسة أن تقدّم درساً دينيّاً معيناً إذا كان هنالك على الأقل إثنا عشر من الآباء يطلبون تلك الدراسة الدينيّة، وهذا ينطبق على المسيحيين والمسلمين وغيرهم على حد سواء ويجري ذلك بالتعاون مع المنظمّات الإسلاميّة لتوفير معلّم ,لكن عمليّاً هذا لم يحدث كثيراً لعدم توفّر معلّمين يملكون مؤهّلات وفق القوانين الهولنديّة، أو قد تفرض المدرسة شروطاً تعجيزيّة يصعب تحقيقها على تلك المنظّمات الإسلاميّة مّما يؤديّ الى فشل ذلك. وفي عام 1988م تغيّرت سياسة الحكومة وسمحت بفتح مدارس إسلاميّة وتحت نفس شروط فتح المدارس المسيحيّة .وقد بلغ عدد هذه المدارس عام 1990م  ثلاثة عشر مدرسة   / كانت المدرسة الإسلاميّة في روتردام تابعةٌ الى منظّمة ثقافيّة خاصّة.وبلغت هذه المدارس عام 1993م عشرين مدرسةً. 
.



المنظمات الإسلاميّة والمساجد:
لقد أصبح المسلمون الجالية الثانية بعد المسيحيّه في هولندا وخلال خمس وعشرين عاماً بلغ عددهم حوالي 300.000 ( في آواخر الثمانينيات من القرن الماضي) وتبعاً لذلك فإنّهم بدأوا يفكّرون في بناء مساجد أو توفير أماكنٍ للعبادة أو لإجتماعهم في المناسبات وكان أول مسجد بني هو في عام 1956م وبمنحةٍ من الحكومة الهولنديّة  في Gaasterland Frisland وهو تابع لمسلمي جزر الملوكان الواقعة في إندونيسيا بينما أقام السروناميون لهم عدّة مساجدٍ في أواخر الستيّيّنيات من القرن العشرين بينما بدأ المغاربة والأتراك فتح مسجد لهم في أوائل السبعيّنيّات.   وقد حاول رجال أعمال هولنديين وسعوديين بناء مسجد كبير في أُتريخت في الستينيان من القرن الماضي إلاّ إنَّ ذلك لم يتم. وفشل مشروعٌ آخر كان على أساس بناء مسجد في Bilymer وكانوا يأملون بوصول أموال سعوديّة ولكن لم تصل عندما تكوّنت الجمعيّات والمنظّمات الإسلاميّة فإنّها تأسّست على أساسٍ عرقي أو قومي ثم ما لبث أن ظهرت الإنشقاقات بينهم مّما كشف عن وجود تيّارات مختلفة في الجالية وخصوصاً المغربيّة والتركيّة وبدا واضحاً إنّهُ ليس من الممكن أن تكوّن منظمّة إسلاميّة تكون مظلّةً لجميع المسلمين لإختلاف لغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وتوجّهاتهم السياسيّه وقد حاول الهولنديّون المتحوّلين الى الإسلام تكوين منظّمة لهذا الغرض في السبعينيّات إلاّ إنّهم فشلوا في ذلك.
 
 
   .....
الإستنتاجات:
- إنَّ إختلاف الجاليات في تقاليدها وعلاقتها في بلادها قد إنعكس على الجاليات الإسلاميّة في الغرب سلباً وإيجاباً .
- ضعف همّة الدول التي هاجر منها العمّال الى مساعدتهم أو التنسيق معهم وإتّخاذ التوجّه السياسي او الإعتقادي سبباً لمنح أو حجب المساعدات.
- تميّزت سياسة الحكومة الهولنديّة بالمد والجزر وفقاً لسياسة الحزب أو الإئتلاف الذي يحكم في علاقته مع الأقليّات.
- إفتقار الجاليات الإسلاميّة الى برنامج واضح لخدمة الجالية المسلمة فمعظم المشاريع مرتجلة وغير مدروسه  مّما يؤدّي الى فشلها أو ضعفها.
- تفاوت المسلمين في نظرتهم الى المجتمع الهولندي مما أدّى الى تشوّش الأفكار حول طبيعة التعامل أو الإندماج وحيثيّات ذلك الإندماج  ومداه وطبيعته وكيف الإستفادة منه لصالح الجاليات والأقليات.
- إختلاف ثقافة القادمين والغرض من قدومهم جعل هنالك إختلافاً في الأولويات عند كل مجموعة ٍ أو حتّى بين أفراد المجموعة الواحدة مما يؤثر ويُعرقل عمل الجمعيّات  في تحقيق أهدافها.
وكل ذلك حسب المصدر المذكور ودون تعليق.
المصدر:shiaparlement.com

ليست هناك تعليقات: