2010/12/10

غانا لم تعد بلداً مسيحياً

على مدار عقود طويلة كانت البعثات التنصيرية في غانا تعمل بلا كلل، تنفق وتبني، تطعم وتكسو، تطعن في الإسلام وتعلم العهد الجديد في كل مكان، تغير الخريطة الديموغرافية للبلاد، فإن الإحصاءات تشير إلى ارتفاع عدد النصارى من 53% عام 1973 إلى 64% عام 1992.

لكن الحسرة هي سيدة الموقف التنصيري في غانا اليوم، فقد تبددت جهود عشرات السنين وبدأ الإسلام ينتشر بشكل ليس له مثيل.
الشبكة المسيحية العالمية (  (Christian World Newالمعروفة اختصاراً بـ(CWN) أبدت انزعاجها الشديد من ارتفاع أعداد المسلمين في غانا في مقال لها مؤخراً أكدت فيه أن غانا التي كانت معقلاً للمسيحية في غرب إفريقيا على مدى 20 عاماً لم تعد أمة مسيحية. وتجدر الإشارة إلى أن الشبكة المسيحية تابعة لـوكالة البث المسيحية (CBN) التي أسسها القس الشهير بات روبرتسون وصارت وكالة ضخمة تشاهد برامجها في 180 دولة وتذاع برامجها بـإحدى وسبعين لغة.

وعلى حد تعبير الشبكة التنصيرية العالمية فإن هذا التراجع المسيحي في غانا يعود إلى :"حملة تحويل غانا إلى أمة مسلمة التي شنتها بعض البلدان الإسلامية في السنوات الأخيرة".
يضيف المقال أن غانا التي كانت نسبة المسيحيين فيها تزيد على ستين في المائة والتي كانت توصف بأنها أمة مسيحية منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1957، ارتفع عدد المسلمين فيها إلى ما يقارب نصف السكان - وأغلبهم من السنة -، والنصف الآخر يتقاسمه المسيحيون والوثنيون.
ويعرب "إيمانويل دانكوا ميريكو" مدير إذاعة ( صوت الشهداء المسيحيين) في غانا عن خيبة أمله قائلاً: "غانا كانت توصف في الماضي بأنها بلاد مسيحية، أما الآن فالأمر لم يعد كذلك، إن مجرد القول بأن غانا بلاد مسيحية قول لا نصيب له من الصحة، بل إنني أجزم بأن المنطقة المركزية التي كانت مهداً للمسيحية في غانا ابتلعها الإسلام, وأن العاصمة أكرا - أكبر مدن البلاد - يوجد في كل ضاحية بها مسجد".
ويضيف:" هذه المساجد تبنى من قبل الكويتيين والإيرانيين وبلدان إسلامية أخرى، إن انتشار الإسلام هو شيء خطير جدا".
ويستطرد إيمانويل مشيراً إلى أن جامعة إسلامية دينية قائمة الآن في العاصمة (أكرا) وهو الشيء الذي لم يكن ليسمع عنه قبل سنوات قليلة- على حد تعبيره.
رمتني بدائها وانسلت
بالطبع لم يكن متوقعاً أن يدرك المنصرون والرؤوس الدينية المسيحية في غانا أن فشل جهودهم لعشرات السنين وازدهار الإسلام هناك يرجع إلى عظمة هذا الدين وميل الفطرة إليه مهما طال التشويش العقدي.

لم يطالبهم أحد بإدراك هذه الحقيقة ولكن المثير للسخرية حقاً أنهم يرجعون الصعود الإسلامي إلى استغلال البلاد الإسلامية للفاقة والفقر في غانا ببناء المدارس الإسلامية المجانية وإمداد الغانيين بالغذاء والكساء والمال.

لطالما كانت هذه هي طريقة المنصرين، وإذا كان الإسلام يحث على تأليف القلوب بشتى الوسائل الشرعية وجعل للمؤلفة قلوبهم سهماً زكوياً فلقد مورس هذا الأمر إسلامياً برقي كبير، فالقاعدة الإسلامية أنه لا إكراه في الدين، والمسلمون عندما يطعمون الفقراء لا يساومونهم على العقيدة فهم يعلمون أن لهم في كل ذي كبد رطبة أجراً.
لكن المنصرين هم الذين طالما اعتمدوا أسلوب المساومة والقهر العقدي .. فالكتاب المقدس لديهم في يد وحفنة الأرز أو سترة البرد في اليد الأخرى.
كيف يسوغ لهم ادعاء أن إغراء العائلات الفقيرة هو السبب وراء الصعود الإسلامي والحملات التنصيرية كانت وما زالت توفر الغذاء والكساء والتعليم المدرسي وتقوم بالتمييز بين المسلمين والنصارى في دخول الجامعات حتى إن المسلم ليضطر إلى تغيير اسمه ليتمكن من دخول الجامعة.

كيف استطاع الإسلام في سنوات قليلة من الجهد الدعوي الإسلامي أن يهزم عشرات السنين من الإلحاح التنصيري المدعوم بالأموال الطائلة والأفراد؟
الوثائق تشير إلى أن أولى محاولات التنصير في غانا تعود إلى القرن الخامس عشر عندما وصل البرتغاليون إليها. لكن القرن التاسع عشر شهد وضع حجر الأساس للكنيسة في غانا، وبدء النشاط التنصيري بشكل واسع فقد بنوا المدارس الكثيرة حتى إن معظم المدارس الثانوية الكبرى في غانا اليوم بناها المنصرون.
تحريض ضد المسلمين
على الرغم من أن العلاقات بين المسلمين والنصارى في غانا يسودها الهدوء، بل إن غانا تعد نموذجاً للتعايش السلمي بين الطرفين في الوقت الذي تعاني فيه القارة الإفريقية من عنف طائفي وتوترات لا حد لها- إلا أن المنصرين يصرون على التحريض ضد المسلمين.
وسط الصعود الإسلامي المثير لحسرة وخيبة المنصرين دفعهم إلى القيام بـ"تحريض استباقي" ضد المسلمين زاعمين أن ارتفاع أعداد المسلمين سيؤدي إلى حوادث عنف ضد السكان المسيحيين.
هل يهدفون بهذا إلى تضييق حكومي أو عالمي على النشاط الدعوي لوقف الصعود الإسلامي المتنامي في البلاد؟
على أية حال لطالما وقفت الحكومة الغانية موقفاً محايداً وسمحت لجميع الأطراف الدينية بممارسة نشاطاتها بحرية.
تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الحريات في غانا لم يرصد أي حوادث عنف أو توترات بين المسلمين والمسيحيين، التوترات المرصودة كانت بين الطوائف المسيحية ولا عزاء للتنصير.
وبحسب التقرير فإن التطرف والدعوة للتعصب والمضايقات أتت من قبل المجموعات الإنجيلية بشكل خاص.

ليست هناك تعليقات: